في تطور لافت في المشهد السوري المضطرب، شهد زعيم هيئة تحرير الشام تحولاً بارزاً من شخصية متشددة تحمل لقب “أبو محمد الجولاني” إلى “أحمد الشرع”، قائد فصائل المعارضة المسلحة الذي أعلن عن تحرير دمشق من نظام الأسد في ديسمبر 2024.
وهذا التحول يعكس بوضوح تحولات كبيرة في السياسة والأيديولوجية لشخصية باتت تمثل رمزية جديدة للمعارضة السورية.
زعيم هيئة تحرير الشام في بداية مشواره
في البداية، كان الجولاني الوجه العلني لتنظيم “جبهة النصرة” الذي بايع تنظيم “القاعدة” عام 2013، وكان يُنظر إليه كرمز للجهاد الإسلامي الراديكالي.
خطاباته كانت مليئة بالدعوات إلى إقامة “دولة إسلامية” تعتمد على الشريعة الإسلامية، وهي رؤية أيدها بشدة عندما كان يدير التنظيم من الشمال السوري.
ومع ذلك، لم تكن هذه المسيرة خالية من التحديات، حيث واجه انتقادات شديدة من المجتمع الدولي ودُرج اسمه على قوائم الإرهاب الأمريكية والدولية، مما حدَّ من تأثيره الخارجي.
لكن، منذ عام 2016، بدأت ملامح التحول تظهر بشكل جلي، حينما ظهر الجولاني لأول مرة بالصوت والصورة مزيحاً عن كاهله ارتباطاته بـ”القاعدة” ومعلناً فك الارتباط به، ثم إعادة تسمية تنظيمه إلى “جبهة فتح الشام”.
وهذا التحول مثل محاولة لتخفيف حدة الراديكالية التي كانت تُحيط به كزعيم للجهاديين، وهو ما أشار إليه في خطابه بأن المجموعة باتت تتجه نحو الاعتدال والتعايش مع المجتمع السوري.
بداية انهيار نظام بشار الأسد
التحول الأبرز جاء في ديسمبر 2024، حيث أعلن الجولاني نفسه قائد “هيئة تحرير الشام” تحت اسم “أحمد الشرع”، في خطوة تمثل إعادة تشكيل هويته السياسية والفكرية.
وفي هذا اليوم، أعلن الشرع عن تحرير دمشق من نظام الأسد بغطاء من القوات المعارضة المدعومة من الخارج، ليصبح الحاكم الفعلي لسوريا في تلك المرحلة، ويُنظر إليه على أنه “بطل” يحرر البلاد من الحكم الديكتاتوري الذي استمر لأكثر من خمسة عقود.
لكن هذا التحول أثار العديد من التساؤلات حول مصداقيته، لا سيما في ضوء ماضيه المتشدد. يرى البعض أن الشرع يمثل فرصة جديدة للسوريين بعد عقود من الحكم الاستبدادي، ويصفه البعض بأنه قائد مرحلي يمتلك ذكاءً سياسياً وحنكة في التعامل مع الوضع الجديد.
وفي المقابل، لا يزال البعض يشككون في دوافعه، معتبرين أن هذه التغييرات مجرد تمويه، إذ يعتقدون أن الشرع لم ينسَ بعد جذوره الجهادية وعلاقاته بـ”داعش” والقاعدة، وأن الهدف الحقيقي هو تثبيت حكمه الذاتي داخل سوريا.
هذا التغيير يعكس السياق السياسي الأكثر تعقيداً الذي تشهده سوريا منذ عام 2011، حيث دخلت في حرب أهلية وحروب بالوكالة، ومؤخراً شهدت تدخلاً روسياً وإيرانياً واسعاً.
وكانت القوى الدولية ذات تأثير كبير في تحولات الجولاني، إذ يبدو أن دعمها له كان سبباً في تقديمه كزعيم جديد يسعى للسلام والتغيير، بعيداً عن الخطاب الجهادي السابق.
بالنسبة للسوريين، فإن مسيرة الشرع تعد مثالاً على التحولات السياسية التي تشهدها البلاد، وتثير قضايا حول مستقبل سوريا. هل سيكون الجولاني/الشرع جزءاً من عملية السلام في سوريا، أم سيكون زعيماً جديداً للنزاع؟ التساؤلات تدور حول مدى استعداده لمراعاة التعددية الثقافية والدينية في البلاد وكيفية تعامل جماعته مع حقوق الأقليات والمرأة.
وفي السياق نفسه، ظهرت صور الشرع على السيارات في بعض المناطق السورية، وأصبحت المحال تبيع صوره على شكل “بوسترات”، وهو ما يعكس شعبيته الكبيرة في الوقت الراهن.
وهذا الاهتمام الشعبي يقابله قلق من احتمال عودة سوريا إلى مظاهر الحكم الفردي والمستبد الذي عانت منه طويلاً، وفقاً لرأي عبير، إحدى السوريين المقيمين في حمص، التي أبدت بعض القلق من احتمال تحول الشرع إلى قادة مثل العائلة الأسدية.
بصفة عامة، فإن رحلة التحول لشخصية “أحمد الشرع” تمثل قصة مثيرة للتأمل في مستقبل سوريا، وتساؤلات حول إمكانية إعادة بناء الدولة السورية الجديدة.
ومع ذلك، تظل قضية الشرعية والصدقية هاجساً لدى السوريين والمجتمع الدولي، حيث أن التحولات التي شهدها الشرع ليست سوى بداية لمغامرة جديدة في السياسة السورية.
3 comments